الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.فتنة ينال مع أخيه طغرلبك ومقتله. كان إبراهيم ينال قد ملك بلاد الجبل وهمذان واستولى على الجهات من نواحيها إلى حلوان أعوام سنة سبع وثلاثين ثم استوحش من السلطان طغرلبك بما طلب منه أن يسلم إليه مدينة همذان والقلاع فأبى من ذلك ينال وجمع جموعا وتلاقيا فانهزم ينال وتحصن بقلعة سرماج فملكها عليه بعد الحصار واستنزله منها وذلك سنة إحدى وأربعين وأحسن إليه طغرلبك وخيره بين المقام معه أو اقطاع الأعمال فاختار المقام ثم لما ملك طغرلبك بغداد وخطب له بها سنة سبع وأربعين أخرج إليه البساسيري مع قريش بن بدران صاحب الموصل ودبيس بن مزيد صاحب الحلة وسار طغرلبك إليهم من بغداد ولحقه أخوه إبراهيم ينال فلما ملك الموصل سلمها إليه وجعلها لنظره مع سنجار والرحبة وسائر تلك الأعمال التي لقريش ورجع إلى بغداد سنة تسع وأربعين ثم بلغه سنة خمسين بعدها أنه سار إلى بلاد الجبل فاستراب به وبعث إليه يستقدمه بكتابه وكتاب القائم مع العهد الكندي فقدم معه وفي خلال ذلك قصد البساسيري وقريش بن بدران الموصل فملكاها جفلوا عنها فاتبعهم إلى نصيبين وخالفه أخوه إبراهيم ينال إلى همذان في رمضان سنة خمسين يقال إن العلوي صاحب مصر والبساسيري كاتبوه واستمالوه وأطمعوه في السلطنة فسار السلطان في اتباعه من نصيبين ورد وزيره عميد الملك الكندي وزوجته خاتون إلى بغداد ووصل إلى همذان ولحق به من كان ببغداد من الأتراك فحاصر همذان في قلعة من العسكر واجتمع لأخيه خلق كثير من الترك وحلف لهم أن لا يصالح طغرلبك ولا يدخل بهم العراق لكثرة نفقاته وجاءه محمد وأحمد ابنا أخيه أرباش بأمداد من الغز فقوي بهم ووهن طغرلبك فأفرج عنه إلى الري وكاتب إلى أرسلان ابن أخيه داود وقد كان ملك خراسان بعد أبيه سنة إحدى وخمسين كما يذكر في أخبارهم فزحف إليه في العساكر ومعه أخوه ياقوت وقاروت بك ولقيهم إبراهيم فيمن معه فانهزم وجيء به وبابني أخيه محمد وأحمد أسرى إلى طغرلبك فقتلهم جميعا ورجع إلى بغداد لاسترجاع القائم..دخول السباسيري بغداد وخلع القائم ثم عوده. قد ذكرنا أن طغرلبك سار إلى همذان لقتال أخيه وترك وزيره عميد الملك الكندي ببغداد مع الخليفة وكان البساسيري وقريش بن بدران فارقا الموصل عند زحف السلطان طغرلبك إليهما فلما سار عن بغداد لقتال أخيه بهمذان خلفه البساسيري وقريش إلى بغداد فكثر الأرجاف بذلك وبعث عن دبيس بن مزيد حاجبه ببغداد ونزلوا بالجانب الشرقي وطلب من القائم الخروج معه إلى إحيائه واستدعى هزارشب من واسط للمدافعة واستمهل في ذلك فقال العرب: لا نشير فأشيروا بنظركم وجاء البساسيري ثامن ذي القعدة سنة خمسين في أربعمائة غلام على غاية من سوء الحال ومعه أبو الحسن بن عبد الرحيم وجاء حسين بن بدران في مائة فارس وخيموا مفترقين عن البلد واجتمع العسكر والقوم إلى عميد العراق وأقاموا ازاء البساسيري وخطب البساسيري ببغداد للمستنصر العلوي صاحب مصر بجامع المنصور ثم بالرصافة وأمر بالأذان بحي على خير العمل وخيم بالزاهر وكان هوى البساسيري لمذاهب الشيعة وترك أهل السنة للإنحراف عن الأتراك فرأى الكندي المطاولة لانتظار السلطان ورأى رئيس الرؤساء المناجزة وكان غير بصير بالحرب فخرج لقتالهم في غفلة من الكندي فانهزم وقتل من أصحابه خلق ونهب باب الأزج وهو باب الخلافة.وهرب أهل الحريم الخلافي فاستدعى القائم العميد الكندي للمدافعة عن دار الخلافة فلم يرعهم إلا اقتحام العدو عليهم من الباب النوبي فركب الخليفة ولبس السواد والنهب قد وصل باب الغردوس والعميد الكندي قد استأمن إلى قريش فرجع ونادى بقريش من السور فاستأمن إليه على لسان رئيس الرؤساء واستأمن هو أيضا معه وخرجا إليه وسارا معه ونكر البساسيري على قريش نقضه لما تعاهدا عليه فقال: إنما تعاهدنا على الشركة فيما يستولي عليه وهذا رئيس الرؤساء لك والخليفة لي.ولما حضر رئيس الرؤساء عند البساسيري وبخه وسأله العفو فأبى منه وحمل قريش القائم إلى معسكره على هيئته ووضع خاتون بنت أخي السلطان طغرلبك في بلد بعض الثقات من خواصه وأمره بخدمتها وبعث القائم ابن عمه مهارش فسار به إلى بلده حديثة خان وانزله بها وأقام البساسيري ببغداد وصلى عيد النحر بالألوية المصرية وأحسن إلى الناس وأجرى أرزاق الفقهاء ولم يتعصب المذهب وأنزل أم القائم بدارها وسهل جرايتها وولى محمود بن الأقزم على الكوفة وسعى الفرات وأخرج رئيس الرؤساء من محبسه آخر ذي الحجة فصلبه عند التجيبي لخمسين سنة من تردده في الوزارة وكان ابن ماكولا قد قبل شهادته سنة أربع عشرة وبعث البساسيري إلى المستنصر العلوي بالفتح والخطبة له بالعراق وكان هنالك أبو الغرج ابن أخي أبي القائم المغربي فاستهان بفعله وخوفه عاقبته وأبطأت أجوبته مدة ثم جاءت بغير ما أمل وسار البساسيري من بغداد إلى واسط والبصرة فملكها وأراد قصر الأهواز فبعث صاحبها هزارشب بن شكر فأصلح أمره على مال يحمله ورجع البساسيري إلى واسط في شعبان سنة إحدى وخمسين وفارقه صدقة بن منصور بن الحسين الأسدي إلى هزارشب وقد كان ولى بغداد أباه على ما يذكر ثم جاء الخبر إلى البساسيري بظفر طغرلبك بأخيه وبعث إليه والي قريش في إعادة الخليفة إلى داره ويقيم طغرلبك وتكون الخطبة والسكة له فأبى البساسيري من ذلك فسار طغرلبك إلى العراق وانتهى إلى قصر شيرين وأجفل الناس بين يديه ورحل أهل الكرخ بأهليهم وأولادهم برا وبحرا وكثر عيث بني شيبان في الناس وارتحل البساسيري بأهله وولده ساوس ذي القعدة سنة إحدى وخمسين لحول كامل من دخوله وكثر الهرج في المدينة والنهب والإحراق ورحل طغرلبك إلى بغداد بعد أن أرسل من طريقه الأستاذ أحمد بن محمد بن أيوب المعروف بابن فورك إلى قريش بن بدران بالشكر على فعله في القائم وفي خاتون بنت أخيه زوجة القائم وأن أبا بكر بن فورك جاء بإحضارهما والقيام بخدمتهما وقد كان قريش بعث إلى مهارش بأن يدخل معهم إلى البرية بالخليفة ليصد ذلك طغرلبك عن العراق ويتحكم عليه بما يريد فأبى مهارش لنقض البساسيري عهوده واعتذر بأنه قد عاهد الخليفة القائم بما لا يمكن نقضه ورحل بالخليفة إلى العراق وجعل طريقه على بدران بن مهلهل وجاء أبو فورك إلى بدر فحمله معه إلى الخليفة وأبلغه رسالة طغرلبك وهداياه وبعث طغرلبك للقائه وزيره الكندي والأمراء والحجاب بالخيام والسرادقات والمقربات بالمراكب الذهبية فلقوه في بلد بدر ثم خرج السلطان فلقيه بالنهروان واعتذر عن تأخره بوفاة أخيه داود بخرسان وعصيان إبراهيم بهمذان وأنه قتله على عصيان وأقام حتى رتب أولاد داود في مملكته وقال إنه يسير إلى الشام في اتباع البساسيري وطال صاحب مصر فقلده القائم سيفه إذ لم يجد سواه وأبدى وجهه للأمراء فحيوه وانصرفوا وتقدم طغرلبك إلى بغداد فجلس في الباب النوبي مكان الحاجب وجاء القائم فأخذ طغرلبك بلجام بغلته إلى باب داره وذلك لخمس بقين من ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وسار السلطان إلى معسكره وأخذ في تدبير أموره.
|